أعماق المحيطات
صفحة 1 من اصل 1
أعماق المحيطات
أعمــــاق الـــــمحيـــــــطـــــــــات
في أعماق المحيطات يخيم جو من الظلام الدامس والحرارة المنخفضة التي لا تتجاوز الدرجتين فوق الصفر، ويبلغ الضغط حداً يشعر المرء انه يحمل 600 كيلوجرام فوق كل سنتيمتر مربع من جسمه! ومن هنا يعتقد المرء للوهلة الأولى أن الحياة في هذا العالم تبدو مستحيلة
ولابد لنا قبل الغوص في أعماق ذلك العالم، أن نعرج على الطبيعة الجيولوجية التي تتوارى عن أعيننا، فعلى عمق أكثر من 4000 متر تحت سطح البحر يقابلنا قاع المحيط المليء بالصدوع التي يصل طول بعضها إلى أكثر من 550 كيلومتراً وبالتلال والمسطحات وبعدد لا حصر له من البراكين إلى درجة أن بعض هذه البراكين خرق سطح البحر ونافس في ارتفاعه البراكين القارية، كبركان مونا لويا في هاواي الذي يزيد ارتفاعه على 9100 متر.
والشيء المثير للدهشة والعجب أن ثمة سلاسل جبلية يصل ارتفاعها تحت قاع المحيط إلى 2500 متر في حين يصل عرضها إلى مئات الكيلومترات أما طولها فيبلغ 60 ألف كيلومتر.
وفيما يتعلق بالحفر التي يصفها بعض العلماء بأبواب جهنم، فتمتد في الأعماق إلى مستوى يصل إلى 11 ألف متر تحت قاع المحيط كحفرة ماريان الواقعة في المحيط الهادي.
وحوش الأعماق: في هذا العالم متعدد التضاريس، تعيش طائفة من الكائنات البحرية التي يصفها البعض بالوحوش نظرا لأشكالها الغريبة والمخيفة في بعض الأحيان، وأول هذه الكائنات نوع من الأسماك يسمى بالخرافة وهو اسم يتناسب بلا شك مع المكان الخرافي الذي تعيش فيه، والخرافة جنس من الأسماك تتميز بلونها الفضي وذنبها المستطيل وعيونها الواسعة وتكثر الخرافة بين أعماق تتراوح بين 200 و1000 متر أي في أعماق يقل فيها ضوء الشمس ويشير العلماء إلى أن عيون الخرافة مكونة بطريقة تجعلها تلتقط أقل شعاع ممكن من الضوء، وهي بفضل عيونها تستطيع التقاط الأسماك الصغيرة والديدان علاوة على أنها لا تتحرك في المياه بل تثبت في مكانها وتحرك زعانفها فقط كأجنحة الطيور
أما الكائن البحري التالي فليس اسمه اقل غرابة من الأول، إذ يسمى عفريت البحر، وهذا النوع معروف بكبر حجم الرأس والجسم معا، ولو تعرض العفريت لنقص في الغذاء، فيلجأ بسرعة للحيلة، فهو يملك عصا (صنارة صيد) طبيعية في مقدمة أنفه ويوجد في قمة هذه الصنارة الطبيعية زائدة لحمية محشوة بنوع من البكتيريا المضيئة التي تستخدم في العادة كطعم للإيقاع بالفريسة إذ يكفي أن تقترب هذه حتى تنتهي في فم السمكة العفريت المليء بأسنان مسننة حادة جدا، المدهش في الأمر أن طول هذه السمكة لا يتعدى العشرين سنتيمتراً.
وحش آخر متخصص في فن التخفي يسمى بالسمك اللامع، ويتميز هذا النوع، بامتلاكه القدرة على ضبط شدة الإضاءة الصادرة عن جسمه وذلك بسبب امتلاكه أعضاء تنتج الضوء، ويعيش السمك اللامع في أعماق تتراوح بين 300 و1000 متر تحت سطح البحر أي في المنطقة التي تبدأ فيها أشعة الشمس بالتلاشي. ومن هنا نجد هذا السمك يستطيع ضبط الضوء الصادر من جسمه بطريقة تجعل الأسماك الأخرى المفترسة غير قادرة على التعرف عليه باعتباره مجرد نور عادي منعكس من السطح!.
طعام الأعماق: وربما نتساءل عن الطريقة التي تتغذى بها الكائنات البحرية التي تعيش في الأعماق، وفي هذا الصدد نجد أن النباتات البحرية تأتي في قاعدة الهرم الغذائي وذلك بفضل عملية التمثيل الضوئي التي تساهم بشكل أساسي في تكوين ما يسمى بالعوالق النباتية (الفيتوبلانكتون) ونظرا لاحتواء هذه العوالق الميكروسكوبية على مادة الكلوروفيل بنسبة كبيرة، فإن التقاطها للضوء يساعدها على تحويل الماء والأملاح المعدنية وثاني أكسيد الكربون إلى جزيئين ضروريين للحياة هما الأكسجين والجزئيات العضوية (السكر والأحماض الأمينية والأحماض الدهنية) وتستخدم النباتات هذه الجزيئات لتكوين غذائها الخاص الذي سيتم استخدامه فيما بعد من قبل الحيوانات، أما الأكسجين المحرر في الماء فإنه يسمح لمجموعة الكائنات البحرية بالتنفس
واحات: والواحات البحرية تشبه إلى حد بعيد الواحات الصحراوية، لكنها هنا عبارة عن مصادر مائية حرارية تنبثق عند عمق يبلغ 2500 متر ويقول العلماء طبقا لدراساتهم أن المادة الحية عند هذه الأعماق تزيد على 10 إلى 100 ألف مرة عما هو موجود في مكان آخر في أعماق المحيطات، وفي بعض الأحيان نجد بعضا من هذه المصادر المائية الحرارية ينبثق بقوة حتى يصل إلى ارتفاعات تصل إلى 20 مترا وفي هذه الحالة يطلق العلماء تعبير المأرضة أو (وكر الأرض الأسود) ويصف العلماء هذا الوكر بالأسود، لأن السائل المنبثق منه يكون ممزوجا بمركبات معدنية داكنة تصل إلى حد السواد، وفي العادة يظهر عند حواف هذا الوكر الأرضي المحيطي نوع من الحياة يضم أنواعا من المحار المعروف “بالقفالة” نظرا لأنه دائم الإقفال،
وبلح البحر والديدان الطويلة والسلطعون والقشريات وعدد كبير من الأسماك.
والجدير بالذكر آن المياه المنبعثة من هذه المصادر تكون في العادة حمضية ومليئة بمواد سامة كالهيدروجين المكبرت الذي تصل حرارته إلى 350 درجة مئوية، ما يعني انه لا يوجد حيوان قادر على مقاومة هذه الحرارة، ولذا فإن الماء الخارج يذوب بسرعة من مياه البحر الجليدية عند تلك الأعماق وتهبط درجة حرارته إلى 10 درجات مئوية فقط، وكلما ابتعدنا عن المصدر قلت نسبة السمية في الماء، الأمر الذي يجعل العديد من الحيوانات البحرية القادرة على تحمل الحرارة والسمية القليلة، أن تتخذ لنفسها وكرا للبحث عن الغذاء.
وهناك نوع من الديدان المعروفة علميا باسم “الفينيلا”، تفضل البقاء عند خاصرة المصدر المائي الساخن وذلك في المكان الذي يلتقي فيه مع المياه الباردة في المحيط حيث تكون نسبة الأكسجين والمواد السامة متغيرة باستمرار، وحتى الآن لا يعرف العلماء كائنا بحريا يستطيع تحمل الصدمة الحرارية في هذه المنطقة سوى هذا النوع من الديدان، فهبوط حرارة المياه من 80 درجة مئوية إلى درجتين مئويتين ليس بالأمر السهل خاصة إذا حدث بشكل مفاجئ!
وإذا كانت الكائنات البحرية بكافة أنواعها تعتمد في جزء كبير من غذائها على العوالق الغذائية نظرا لاحتوائها على كمية مهمة من الأكسجين اللازم للتنفس، إلا أننا نجد عددا كبيرا من هذه الكائنات قد تحرر من الاعتماد الكلي على البلانكتونات أو النباتات البحرية، وشغل نفسه بأنواع معينة من البكتيريا التي خلقت كي تعيش في ظروف صعبة كالتي تشهدها الأعماق السحيقة في المحيطات. والغريب في الأمر أن هذه البكتيريا تكون غذاءها من الهيدروجين المكبرت السام الممزوج بالأملاح المعدنية وثاني أكسيد الكربون ثم تحوله إلى غذاء نافع لكافة الكائنات البحرية.
فعلى سبيل المثال نلاحظ أن دودة الافينيلا تلتهم هذه البكتيريا عند المصادر المائية الحرارية، أما القشريات “الربيان” فتربيها فوق فوهاتها الفموية الكبيرة. وفيما يتعلق بدودة الريفثيا التي تعيش في قنوات يصل طولها إلى المترين، فتقوم بإسكان البكتيريا داخل القنوات نظرا لعدم امتلاكها لفتحتي الفم والشرج. وتسهم الدودة في إنماء البكتيريا بمدها بغازي ثاني أكسيد الكربون وكبريتيد الهيدروجين، وعندها تقوم البكتيريا بدورها بتحرير موادها العضوية في دم الدودة مباشرة، ونظرا لأن غاز كبريتيد الهيدروجين معروف بتسميته، فإنه يلتصق فوق الهيموجلوبين ويمنع الأكسجين من العمل الأمر الذي يمكن أن يعرض الدودة للاختناق. وهنا تأتي عظمة الخالق الذي جعل هيموجلوبين الدودة قابلا للتغير، بمعنى انه يمتلك طريقتين مختلفتين للتثبيت إحداهما للأكسجين وأخرى لغاز كبريتيد الهيدروجين.
مصادر آيلة للنضوب: وإذا كانت المصادر المائية الحرارية تعتبر بمثابة الجنة لعدد كبير من الكائنات البحرية، إلا أنها جنة مؤقتة، إذ يكفي أن يقع زلزال خفيف حتى يؤدي بالمصدر إلى الانقلاب أو الاختفاء كليا تحت الركام، ولذا فإن هذه المصادر لا تبقى لأكثر من 10 سنوات الأمر الذي يدفع الكائنات البحرية كي تهاجر إلى أماكن أخرى بعيدة بحثا عن مصدر جديد بغية تأمين ما تحتاج من غذاء والسؤال الذي يمكن أن يطرحه البعض، يتمثل بمدى قدرة بعض الكائنات الصغيرة كالمحار والأصداف على التنقل لمئات الكيلومترات في بعض الأحيان كي تصل إلى مصدر مائي حار، وهو ما يعتبر أمرا صعبا نظرا لعدم توفر الكمية اللازمة من الغذاء أثناء رحلتها، وفي هذا الصدد عكف خبير المحيطات البروفسور كريج سميث في جامعة هاواي على الموضوع وأتى بفكرة جديدة ربما تفسر لنا التساؤل السابق.
يقول سميث: “لاحظت انه بعد مرور سنوات عدة على نفوق احد الحيتان الكبرى وهبوطه بالكامل إلى أعماق المحيطات، نجد أن ما تبقى من عظام مغمورة تحت الرواسب يؤدي إلى ظهور جيل جديد من الحيوانات البحرية القريبة من تلك التي تظهر عند مصادر المياه الحارة، واستنتج سميث أن تفتت عظام الحيتان في غياب الأكسجين “خاصة عندما تكون مطمورة”، تنتج بدورها غاز الأكسجين الضروري للحياة في تلك الأعماق البعيدة
في أعماق المحيطات يخيم جو من الظلام الدامس والحرارة المنخفضة التي لا تتجاوز الدرجتين فوق الصفر، ويبلغ الضغط حداً يشعر المرء انه يحمل 600 كيلوجرام فوق كل سنتيمتر مربع من جسمه! ومن هنا يعتقد المرء للوهلة الأولى أن الحياة في هذا العالم تبدو مستحيلة
ولابد لنا قبل الغوص في أعماق ذلك العالم، أن نعرج على الطبيعة الجيولوجية التي تتوارى عن أعيننا، فعلى عمق أكثر من 4000 متر تحت سطح البحر يقابلنا قاع المحيط المليء بالصدوع التي يصل طول بعضها إلى أكثر من 550 كيلومتراً وبالتلال والمسطحات وبعدد لا حصر له من البراكين إلى درجة أن بعض هذه البراكين خرق سطح البحر ونافس في ارتفاعه البراكين القارية، كبركان مونا لويا في هاواي الذي يزيد ارتفاعه على 9100 متر.
والشيء المثير للدهشة والعجب أن ثمة سلاسل جبلية يصل ارتفاعها تحت قاع المحيط إلى 2500 متر في حين يصل عرضها إلى مئات الكيلومترات أما طولها فيبلغ 60 ألف كيلومتر.
وفيما يتعلق بالحفر التي يصفها بعض العلماء بأبواب جهنم، فتمتد في الأعماق إلى مستوى يصل إلى 11 ألف متر تحت قاع المحيط كحفرة ماريان الواقعة في المحيط الهادي.
وحوش الأعماق: في هذا العالم متعدد التضاريس، تعيش طائفة من الكائنات البحرية التي يصفها البعض بالوحوش نظرا لأشكالها الغريبة والمخيفة في بعض الأحيان، وأول هذه الكائنات نوع من الأسماك يسمى بالخرافة وهو اسم يتناسب بلا شك مع المكان الخرافي الذي تعيش فيه، والخرافة جنس من الأسماك تتميز بلونها الفضي وذنبها المستطيل وعيونها الواسعة وتكثر الخرافة بين أعماق تتراوح بين 200 و1000 متر أي في أعماق يقل فيها ضوء الشمس ويشير العلماء إلى أن عيون الخرافة مكونة بطريقة تجعلها تلتقط أقل شعاع ممكن من الضوء، وهي بفضل عيونها تستطيع التقاط الأسماك الصغيرة والديدان علاوة على أنها لا تتحرك في المياه بل تثبت في مكانها وتحرك زعانفها فقط كأجنحة الطيور
أما الكائن البحري التالي فليس اسمه اقل غرابة من الأول، إذ يسمى عفريت البحر، وهذا النوع معروف بكبر حجم الرأس والجسم معا، ولو تعرض العفريت لنقص في الغذاء، فيلجأ بسرعة للحيلة، فهو يملك عصا (صنارة صيد) طبيعية في مقدمة أنفه ويوجد في قمة هذه الصنارة الطبيعية زائدة لحمية محشوة بنوع من البكتيريا المضيئة التي تستخدم في العادة كطعم للإيقاع بالفريسة إذ يكفي أن تقترب هذه حتى تنتهي في فم السمكة العفريت المليء بأسنان مسننة حادة جدا، المدهش في الأمر أن طول هذه السمكة لا يتعدى العشرين سنتيمتراً.
وحش آخر متخصص في فن التخفي يسمى بالسمك اللامع، ويتميز هذا النوع، بامتلاكه القدرة على ضبط شدة الإضاءة الصادرة عن جسمه وذلك بسبب امتلاكه أعضاء تنتج الضوء، ويعيش السمك اللامع في أعماق تتراوح بين 300 و1000 متر تحت سطح البحر أي في المنطقة التي تبدأ فيها أشعة الشمس بالتلاشي. ومن هنا نجد هذا السمك يستطيع ضبط الضوء الصادر من جسمه بطريقة تجعل الأسماك الأخرى المفترسة غير قادرة على التعرف عليه باعتباره مجرد نور عادي منعكس من السطح!.
طعام الأعماق: وربما نتساءل عن الطريقة التي تتغذى بها الكائنات البحرية التي تعيش في الأعماق، وفي هذا الصدد نجد أن النباتات البحرية تأتي في قاعدة الهرم الغذائي وذلك بفضل عملية التمثيل الضوئي التي تساهم بشكل أساسي في تكوين ما يسمى بالعوالق النباتية (الفيتوبلانكتون) ونظرا لاحتواء هذه العوالق الميكروسكوبية على مادة الكلوروفيل بنسبة كبيرة، فإن التقاطها للضوء يساعدها على تحويل الماء والأملاح المعدنية وثاني أكسيد الكربون إلى جزيئين ضروريين للحياة هما الأكسجين والجزئيات العضوية (السكر والأحماض الأمينية والأحماض الدهنية) وتستخدم النباتات هذه الجزيئات لتكوين غذائها الخاص الذي سيتم استخدامه فيما بعد من قبل الحيوانات، أما الأكسجين المحرر في الماء فإنه يسمح لمجموعة الكائنات البحرية بالتنفس
واحات: والواحات البحرية تشبه إلى حد بعيد الواحات الصحراوية، لكنها هنا عبارة عن مصادر مائية حرارية تنبثق عند عمق يبلغ 2500 متر ويقول العلماء طبقا لدراساتهم أن المادة الحية عند هذه الأعماق تزيد على 10 إلى 100 ألف مرة عما هو موجود في مكان آخر في أعماق المحيطات، وفي بعض الأحيان نجد بعضا من هذه المصادر المائية الحرارية ينبثق بقوة حتى يصل إلى ارتفاعات تصل إلى 20 مترا وفي هذه الحالة يطلق العلماء تعبير المأرضة أو (وكر الأرض الأسود) ويصف العلماء هذا الوكر بالأسود، لأن السائل المنبثق منه يكون ممزوجا بمركبات معدنية داكنة تصل إلى حد السواد، وفي العادة يظهر عند حواف هذا الوكر الأرضي المحيطي نوع من الحياة يضم أنواعا من المحار المعروف “بالقفالة” نظرا لأنه دائم الإقفال،
وبلح البحر والديدان الطويلة والسلطعون والقشريات وعدد كبير من الأسماك.
والجدير بالذكر آن المياه المنبعثة من هذه المصادر تكون في العادة حمضية ومليئة بمواد سامة كالهيدروجين المكبرت الذي تصل حرارته إلى 350 درجة مئوية، ما يعني انه لا يوجد حيوان قادر على مقاومة هذه الحرارة، ولذا فإن الماء الخارج يذوب بسرعة من مياه البحر الجليدية عند تلك الأعماق وتهبط درجة حرارته إلى 10 درجات مئوية فقط، وكلما ابتعدنا عن المصدر قلت نسبة السمية في الماء، الأمر الذي يجعل العديد من الحيوانات البحرية القادرة على تحمل الحرارة والسمية القليلة، أن تتخذ لنفسها وكرا للبحث عن الغذاء.
وهناك نوع من الديدان المعروفة علميا باسم “الفينيلا”، تفضل البقاء عند خاصرة المصدر المائي الساخن وذلك في المكان الذي يلتقي فيه مع المياه الباردة في المحيط حيث تكون نسبة الأكسجين والمواد السامة متغيرة باستمرار، وحتى الآن لا يعرف العلماء كائنا بحريا يستطيع تحمل الصدمة الحرارية في هذه المنطقة سوى هذا النوع من الديدان، فهبوط حرارة المياه من 80 درجة مئوية إلى درجتين مئويتين ليس بالأمر السهل خاصة إذا حدث بشكل مفاجئ!
وإذا كانت الكائنات البحرية بكافة أنواعها تعتمد في جزء كبير من غذائها على العوالق الغذائية نظرا لاحتوائها على كمية مهمة من الأكسجين اللازم للتنفس، إلا أننا نجد عددا كبيرا من هذه الكائنات قد تحرر من الاعتماد الكلي على البلانكتونات أو النباتات البحرية، وشغل نفسه بأنواع معينة من البكتيريا التي خلقت كي تعيش في ظروف صعبة كالتي تشهدها الأعماق السحيقة في المحيطات. والغريب في الأمر أن هذه البكتيريا تكون غذاءها من الهيدروجين المكبرت السام الممزوج بالأملاح المعدنية وثاني أكسيد الكربون ثم تحوله إلى غذاء نافع لكافة الكائنات البحرية.
فعلى سبيل المثال نلاحظ أن دودة الافينيلا تلتهم هذه البكتيريا عند المصادر المائية الحرارية، أما القشريات “الربيان” فتربيها فوق فوهاتها الفموية الكبيرة. وفيما يتعلق بدودة الريفثيا التي تعيش في قنوات يصل طولها إلى المترين، فتقوم بإسكان البكتيريا داخل القنوات نظرا لعدم امتلاكها لفتحتي الفم والشرج. وتسهم الدودة في إنماء البكتيريا بمدها بغازي ثاني أكسيد الكربون وكبريتيد الهيدروجين، وعندها تقوم البكتيريا بدورها بتحرير موادها العضوية في دم الدودة مباشرة، ونظرا لأن غاز كبريتيد الهيدروجين معروف بتسميته، فإنه يلتصق فوق الهيموجلوبين ويمنع الأكسجين من العمل الأمر الذي يمكن أن يعرض الدودة للاختناق. وهنا تأتي عظمة الخالق الذي جعل هيموجلوبين الدودة قابلا للتغير، بمعنى انه يمتلك طريقتين مختلفتين للتثبيت إحداهما للأكسجين وأخرى لغاز كبريتيد الهيدروجين.
مصادر آيلة للنضوب: وإذا كانت المصادر المائية الحرارية تعتبر بمثابة الجنة لعدد كبير من الكائنات البحرية، إلا أنها جنة مؤقتة، إذ يكفي أن يقع زلزال خفيف حتى يؤدي بالمصدر إلى الانقلاب أو الاختفاء كليا تحت الركام، ولذا فإن هذه المصادر لا تبقى لأكثر من 10 سنوات الأمر الذي يدفع الكائنات البحرية كي تهاجر إلى أماكن أخرى بعيدة بحثا عن مصدر جديد بغية تأمين ما تحتاج من غذاء والسؤال الذي يمكن أن يطرحه البعض، يتمثل بمدى قدرة بعض الكائنات الصغيرة كالمحار والأصداف على التنقل لمئات الكيلومترات في بعض الأحيان كي تصل إلى مصدر مائي حار، وهو ما يعتبر أمرا صعبا نظرا لعدم توفر الكمية اللازمة من الغذاء أثناء رحلتها، وفي هذا الصدد عكف خبير المحيطات البروفسور كريج سميث في جامعة هاواي على الموضوع وأتى بفكرة جديدة ربما تفسر لنا التساؤل السابق.
يقول سميث: “لاحظت انه بعد مرور سنوات عدة على نفوق احد الحيتان الكبرى وهبوطه بالكامل إلى أعماق المحيطات، نجد أن ما تبقى من عظام مغمورة تحت الرواسب يؤدي إلى ظهور جيل جديد من الحيوانات البحرية القريبة من تلك التي تظهر عند مصادر المياه الحارة، واستنتج سميث أن تفتت عظام الحيتان في غياب الأكسجين “خاصة عندما تكون مطمورة”، تنتج بدورها غاز الأكسجين الضروري للحياة في تلك الأعماق البعيدة
salah- كبير المشرفين
- عدد المساهمات : 19
تاريخ التسجيل : 16/09/2009
الموقع : samirroua.ahlamontada.com
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى