مقامات بديع الزمان الهمذاني تابع..
صفحة 1 من اصل 1
مقامات بديع الزمان الهمذاني تابع..
المَقَامَةُ الغَيْلانِيَّةُ
حَدَثَنْي عِيسَى بْنُ هِشَامٍ قَالَ:
بَيْنَا نَحْنُ بِجُرْجَانَ، فِي مُجْتَمَعٍ لنَا نَتَحَدَّثُ، وَمَعَنَا يَوْمَئِذٍ رَجُلُ العَرَبِ حِفْظاُ وَرِوَايةً، وَهَوَ عِصْمَةُ بْنُ بَدْرٍ الفَزَارِيُّ، فأَفْضَى بِنَا الكَلاَمُ إِلَى ذِكْرِ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ خَصْمِهِ حِلْماً، وِمِنْ أَعْرَضَ عَنْ خَصْمِهِ احْتِقَاراً، حَتَّى ذَكَرْنَا الصَّلَتَانَ الْعَبْدِيَّ وَالبَيِثَ، وَمَا كَانَ مِنْ احْتِقَارِ جَريرٍ وَالفَرَزْدَقِ لَهُمَا، فَقَالَ عِصْمَةُ: سَأُحَدِثَكُم بِمَا شَاهَدَتْهُ عَيْني، وَلاَ أُحَدِّثُكُمْ عَنْ غَيْري، بَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ فِي بِلادِ تَمِيمٍ مُرْتَحِلاً نَجِيَبةً، وَقائِداً جَنِيبَةً، عنَّ ليَ رَاكِبٌ عَلىَ أَوْرَقٍ جَعْدِ اللُّغَامِ، فَحَاذَانِي حَتَّى إِذا صَكَّ الشَّبَحُ بِالشَّبَحِ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالسَّلامُ عَلَيْكَ، فَقُلْتُ: وعَلَيْكَ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ، مَنِ الرَّاكِبُ الجَهيرُ الكَلاَمِ المُحَيِّي بِتَحيَّة الإِسْلاَمِ? فَقَالَ: أَنَا غَيْلاَنُ بْنُ عُقْبَةَ، فَقُلتُ: مَرْحَباً بِالكَرِيم حَسَبهُ الشَّهِيرِ نَسَبُهُ، السَّائِرُ مَنْطِقُهُ، فَقَالَ: رَحُبَ وَادِيكَ، وَعَزَّ نَاِديَكَ، فَمَنْ أَنْتَ? قُلْتُ: عِصْمةُ بْنُ بَدرٍ الفَزَارِيُّ، قَالَ: حَياَّكَ اللهُ نِعْمَ الصَّدِيقُ، وَالصَاحبُ والرَّفِيقُ، وَسِرْنَا فَلَمَّا هَجَّرْنا قَالَ: أَلاَ نُغَوِّرُ يَاعِصْمةُ فَقَدْ صَهَرَتْنَا الْشَّمْسُ? فَقُلْتُ: أَنْتَ وَذَاكَ، فَمِلْنَا إِلِى شَجراتٍ أَلاَءٍ كَأَنْهُنَّ عَذارَى مُتَبَرِّجاتٌ، قَد نَشَرْنَ غَدائِرَهُنَّ، ِلأثَلاثٍ تُنَاوِحُهُنَّ، فَحَطَطْنَا رِحَالَنَا، وَنِلْنَا مِنَ الطَّعَامِ، وَكانَ ذُو الرُّمَةِ زَهِيدَ الأَكلِ، وَصَلَّيْنَا بَعْدُ، وَآلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا إِلى ظِلِّ أَثَلةٍ يُرِيدُ الْقَائِلَةَ، وَاضَطَجَعَ ذُو الرُّمَّةِ، وَأَرَدْتُ أَنْ أَصْنَعَ مِثَلَ صَنِيعِهِ، فَوَلَّيْتُ ظَهْرِي الأَرْضَ، وَعَيْنَاي لاَ يَمْلِكُهُمَا غُمْضٌ، فَنَظَرْتُ غَيْرَ بَعِيدٍ إِلَى نَاقَةٍ كَوْمَاءَ قَدْ ضَحِيَتْ وَغَبِيطُهَا مُلْقىً، وَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ يَكْلأُهَا كأَنَّهُ عَسِيفٌ أَوْ أَسِيفٌ فَلَهِيتُ عَنْهُمَا، وَما أَنَا وَالسُّؤالَ عَمَّا لاَ يَعْنِينِي? وَنَام ذُو الرُّمَّةِ غِرَاراً، ثُمَّ انْتَبَهَ، َوكاَنَ ذلِكَ فِي أَيَّامِ مُهَاجاتِهِ لِذَلكَ الْمُرِّيَّ، فَرَفَعَ عَقِيرَتَهُ وَأَنْشَدَ يَقُولُ:
أَمِنْ مَيَّةَ الطُّلَلُ الـدَّارِسُ أَلَظَّ بِهِ العَاصِفُ الرَّامِسُ
فَلَمْ يَبْقَ إِلاَ شَجِيجُ الْقَـذَالِ وَمُسْتَوْقَدٌ مَا لَهُ قَـابِـس
وَحَوْضٌ تَثَلَّمَ مِنْ جَانِـبَـيْهِ وَمُحْتَفَلٌ دَارِسٌ طامِـسُ
وَعَهْدي بِهِ وَبِهِ سَـكْـنُـهُ وَمَيَّهُ وَالإِنْـسُ وَالآِنـسُ
كَأَنِّي بِمَيَّةَ مُسْـتَـنْـفِـرٌ غَزَالاً ترَاءَى لَهُ عَاطِسٌ
إِذَا جِئْتُهَا رَدَّنيِ عَـابِـسٌ رَقِيبٌ عَلَيْها لَهَا حَـارِسٌ
سَتَأْتِي امْرِأَ الْقَيْسِ مَأْثُورَةٌ يُغَنِّي بِها العَابِرَ الجَالِـسُ
أَلَمْ تَرَ أَنَّ امْرأَ القَيْسِ قَـدْ أَلَظَّ بِهِ دَاؤُهُ الـنَّـاجِـسُ
هُمُ القَوْمُ لاَ يَأَلَمُونَ الْهِجَاءَ وَهَلْ يَأَلَمُ الحَجَرُ الْيَابِـسُ
فَمَا لَهُمُ في الْعُلاَ رَاكِـبٌ وَلاَ لَهُمُ فِي الوَغَى فَارِسُ
مُمَرْطَلةٌ فِي حِياضِ المَلاَمِ كَمَا دَعَسَ الاْدَمَ الدَّاعِـسُ
إِذَا طَمَحَ النَّاسُ لِلْمَكْرُماتِ فَطَرْفُهُمُ المُطْرِقُ النَّاعِسُ
تَعَافُ الأَكَارِمُ إِصْهَارَهُـمْ فَكًلُّ أَيَامَاهُـمُ عـانِـسُ
فَلَمَّا بَلَغَ هَذا البَيْتَ تَنَبَّهَ ذَلِكَ النَّائِمُ، وَجَعَلَ يَمْسَحُ عَيْنَيْهِ، وَيَقُولُ: أَذُو الرُّمَيْمَةِ يَمْنَعُنِي النَّوْمَ بِشِعْر غيْرِ مُثَقّفٍ وَلاَ سَائِر? فَقُلْتُ يَا غَيْلاَنُ، مَنْ هَذا? فَقَالَ: الْفَرَزْدَقُ، وَحَمِى ذُو الرُّمَّةِ فَقَالَ:
وَأَمَّا مُجاشِـعٌ الأَرْذَلُـونَ فلَم يَسْقِِ مَنْبِتَهُـمْ رَاجِـسُ
سَيَعْقِلَهُمُ عَنْ مَسَاعِي الْكِرَام عِقَالٌ، وَيَحْبِسهُمُ حَـابِـسُ
فَقُلْتُ: الآنَ يَشْرَقُ فَيَثُورُ، وَيَعُمُّ هذا وَقبِيلَتُهُ بِالهِجَاءِ، فَوَاللهِ مَا زَادَ الفَرَزْدَقُ عَلى أَنْ قَالَ: قُبْحَاً لكَ يا ذَا الرُّمَيْمَةِ! أَتَعْرِضُ لِمِثْلي بِمَقالٍ مُنْتَحَلٍ? ثُمَّ عَادَ فِي نَوْمِهِ كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْ شَيْئاً، وَسَارَ ذُو الرُّمَّةِ وَسِرْتُ مَعَهُ، وَإِنِّي لأَرَى فِيهِ انْكِسَاراً حَتَّى افْتَرَقْنَا.
المَقَامَةُ الأَذْرَبِيجَانِيَّةُ
قَالَ عِيسَى بْنُ هِشَامٍ: لَمَّا نَطَّقَنِي الْغِنَى بِفَاضِلِ ذَيْلِهِ، اتُّهِمتُ بِمَالٍ سلَبْتُهُ، أَو كَنْزٍ أَصَبْتُهُ، فَحَفَزَنيِ اللَّيْلُ، وَسَرَتْ بِي الخَيْلُ، وَسَلكتُ فِي هَرَبِي مَسَالِكَ لَمْ يَرُضْهَا السَّيْرُ، وَلاَ اهْتَدَتْ إِلَيْهَا الطَّيْرُ، حَتَّى طَوَيْتُ أَرْضَ الرُّعْبِ وَتَجاوَزْتُ حَدَّهُ، وَصِرْتُ إِلى حِمَى الأَمْنِ َوَوجَدْتُ بَرْدَهُ، وَبَلَغْتُ أَذْرَبِيجَانَ وقَدْ حَفِيَتِ الرَّوَاحِلُ، وأَكَلَتَّهَا المَرَاحِلُ، وَلَمَّا بَلَغْتُهَا:
نَزَلْنَا عَلى أَنَّ المُـقَـامَ ثَـلاثَةٌ فَطَابَتْ لَنَا حَتَّى أَقَمْنَا بِها شَهْراً
فَبَيْنَا أَنا يَوْماً في بِعْضِ أَسْوَاقِها إِذْ طَلَعَ رَجُلٌ بِرَكْوَةٍ قَدِ اعْتَضَدَهَا وَعَصاً قَدِ اعْتَمَدَها، وَدنِّيَّةٍ قَدْ تَقَلَّسَهَا، وَفُوطةٍ قدْ تَطَلَّسَهَا، فَرَفَعَ عَقِيرَتَهُ وَقَالَ: اللَّهُمَّ يا مُبْدِئَ الأَشْيَاءِ وَمُعيدَهَا، وَمُحْيِيَ الْعِظَامِ وَمُبِيدَها، وَخَالِقَ الْمِصْباحِ وَمُدِيرَهُ، وفالِقَ الإِصْباحِ وَمُنِيرَهُ، وَمُوصِلَ الآلاءِ سابِغَةً إِلَيْنا، وَمُمْسِكَ السَّمَاءِ أَنْ تَقَعَ عَلَيْنَا، وَبَارِئَ النَّسَمِ أَزْواجاً وَجَاعِلَ الشَّمْسِ سِرَاجاً، والسَّمِاءِ سَقْفاً والأَرْضِ فِرَاشاً، وَجَاعِلَ اللَّيْلِ سَكَناً وَالنَّهَارِ مَعَاشاً، ومُنْشِئَ السَّحَابِ ثِقَالاً، وَمُرْسِلَ الصَّواعِقِ نِكَالاً، وَعَالِمَ ما فَوْقَ النُّجُومِ وما تَحْتَ التُّخُومِ، أَسْأَلَكَ الصَّلاةَ عَلى سَيِّدِ المُرْسَلينَ، مُحَمَّدٍ وآلِهِ الطَّاهِرينَ، وأَنْ تُعِينَني على الغُرْبَةِ أَثْنِي حَبْلَهَا، وَعلى العُسْرَةِ أَعْدُو ظِلَّها، وأَنْ تُسَهِّلَ لِي عَلى يَدَيْ مِنْ فَطَرَتْهُ الفِطْرَةُ، وَأَطْلَعَتْهُ الْطُّهْرَةُ، وَسَعِدَ بالدِّينِ الْمَتِينِ، وَلَمْ يَعْمَ عَنِ الحَقِّ الْمُبِينِ، رَاحِلةً تَطْوِى هَذَا الطَّرِيقَ، وزَاداً يَسَعُنِي والرَّفِيقَ.
قَالَ عيسَى بْنُ هِشَامٍ: فَنَاجَيْتُ نَفْسِي بِأَنَّ هذَا الرَّجُلَ أَفْصَحُ مِنْ إِسْكَنْدَرِيِّنَا أَبِي الفَتْحِ، وَالْتَفَتُّ لَفْتَةً فَإِذَا هُوَ واللهِ أَبُو الْفَتْحِ، فَقُلْتُ يَا أَبَا الفَتْحِ بَلَغَ هذِهِ الأَرْضَ كَيْدُكَ، وانْتَهى إِلى هذَا الشِّعْبِ صَيْدُكَ? فَأَنْشَأَ يَقُولُ:
أِنا جَوَّالةُ الـبِـلا دِ وجَوَّابِةُ الأُفُـقْ
أَنَا خُذْرُوَفةُ الزَّمـا نِ وَعَمَّارَةُ الطُّرُقْ
لاَ َتلُمْنِي لَكَ الَّرشَا دُ عَلَى كُدْيَتي وذُقْ
حَدَثَنْي عِيسَى بْنُ هِشَامٍ قَالَ:
بَيْنَا نَحْنُ بِجُرْجَانَ، فِي مُجْتَمَعٍ لنَا نَتَحَدَّثُ، وَمَعَنَا يَوْمَئِذٍ رَجُلُ العَرَبِ حِفْظاُ وَرِوَايةً، وَهَوَ عِصْمَةُ بْنُ بَدْرٍ الفَزَارِيُّ، فأَفْضَى بِنَا الكَلاَمُ إِلَى ذِكْرِ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ خَصْمِهِ حِلْماً، وِمِنْ أَعْرَضَ عَنْ خَصْمِهِ احْتِقَاراً، حَتَّى ذَكَرْنَا الصَّلَتَانَ الْعَبْدِيَّ وَالبَيِثَ، وَمَا كَانَ مِنْ احْتِقَارِ جَريرٍ وَالفَرَزْدَقِ لَهُمَا، فَقَالَ عِصْمَةُ: سَأُحَدِثَكُم بِمَا شَاهَدَتْهُ عَيْني، وَلاَ أُحَدِّثُكُمْ عَنْ غَيْري، بَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ فِي بِلادِ تَمِيمٍ مُرْتَحِلاً نَجِيَبةً، وَقائِداً جَنِيبَةً، عنَّ ليَ رَاكِبٌ عَلىَ أَوْرَقٍ جَعْدِ اللُّغَامِ، فَحَاذَانِي حَتَّى إِذا صَكَّ الشَّبَحُ بِالشَّبَحِ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالسَّلامُ عَلَيْكَ، فَقُلْتُ: وعَلَيْكَ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ، مَنِ الرَّاكِبُ الجَهيرُ الكَلاَمِ المُحَيِّي بِتَحيَّة الإِسْلاَمِ? فَقَالَ: أَنَا غَيْلاَنُ بْنُ عُقْبَةَ، فَقُلتُ: مَرْحَباً بِالكَرِيم حَسَبهُ الشَّهِيرِ نَسَبُهُ، السَّائِرُ مَنْطِقُهُ، فَقَالَ: رَحُبَ وَادِيكَ، وَعَزَّ نَاِديَكَ، فَمَنْ أَنْتَ? قُلْتُ: عِصْمةُ بْنُ بَدرٍ الفَزَارِيُّ، قَالَ: حَياَّكَ اللهُ نِعْمَ الصَّدِيقُ، وَالصَاحبُ والرَّفِيقُ، وَسِرْنَا فَلَمَّا هَجَّرْنا قَالَ: أَلاَ نُغَوِّرُ يَاعِصْمةُ فَقَدْ صَهَرَتْنَا الْشَّمْسُ? فَقُلْتُ: أَنْتَ وَذَاكَ، فَمِلْنَا إِلِى شَجراتٍ أَلاَءٍ كَأَنْهُنَّ عَذارَى مُتَبَرِّجاتٌ، قَد نَشَرْنَ غَدائِرَهُنَّ، ِلأثَلاثٍ تُنَاوِحُهُنَّ، فَحَطَطْنَا رِحَالَنَا، وَنِلْنَا مِنَ الطَّعَامِ، وَكانَ ذُو الرُّمَةِ زَهِيدَ الأَكلِ، وَصَلَّيْنَا بَعْدُ، وَآلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا إِلى ظِلِّ أَثَلةٍ يُرِيدُ الْقَائِلَةَ، وَاضَطَجَعَ ذُو الرُّمَّةِ، وَأَرَدْتُ أَنْ أَصْنَعَ مِثَلَ صَنِيعِهِ، فَوَلَّيْتُ ظَهْرِي الأَرْضَ، وَعَيْنَاي لاَ يَمْلِكُهُمَا غُمْضٌ، فَنَظَرْتُ غَيْرَ بَعِيدٍ إِلَى نَاقَةٍ كَوْمَاءَ قَدْ ضَحِيَتْ وَغَبِيطُهَا مُلْقىً، وَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ يَكْلأُهَا كأَنَّهُ عَسِيفٌ أَوْ أَسِيفٌ فَلَهِيتُ عَنْهُمَا، وَما أَنَا وَالسُّؤالَ عَمَّا لاَ يَعْنِينِي? وَنَام ذُو الرُّمَّةِ غِرَاراً، ثُمَّ انْتَبَهَ، َوكاَنَ ذلِكَ فِي أَيَّامِ مُهَاجاتِهِ لِذَلكَ الْمُرِّيَّ، فَرَفَعَ عَقِيرَتَهُ وَأَنْشَدَ يَقُولُ:
أَمِنْ مَيَّةَ الطُّلَلُ الـدَّارِسُ أَلَظَّ بِهِ العَاصِفُ الرَّامِسُ
فَلَمْ يَبْقَ إِلاَ شَجِيجُ الْقَـذَالِ وَمُسْتَوْقَدٌ مَا لَهُ قَـابِـس
وَحَوْضٌ تَثَلَّمَ مِنْ جَانِـبَـيْهِ وَمُحْتَفَلٌ دَارِسٌ طامِـسُ
وَعَهْدي بِهِ وَبِهِ سَـكْـنُـهُ وَمَيَّهُ وَالإِنْـسُ وَالآِنـسُ
كَأَنِّي بِمَيَّةَ مُسْـتَـنْـفِـرٌ غَزَالاً ترَاءَى لَهُ عَاطِسٌ
إِذَا جِئْتُهَا رَدَّنيِ عَـابِـسٌ رَقِيبٌ عَلَيْها لَهَا حَـارِسٌ
سَتَأْتِي امْرِأَ الْقَيْسِ مَأْثُورَةٌ يُغَنِّي بِها العَابِرَ الجَالِـسُ
أَلَمْ تَرَ أَنَّ امْرأَ القَيْسِ قَـدْ أَلَظَّ بِهِ دَاؤُهُ الـنَّـاجِـسُ
هُمُ القَوْمُ لاَ يَأَلَمُونَ الْهِجَاءَ وَهَلْ يَأَلَمُ الحَجَرُ الْيَابِـسُ
فَمَا لَهُمُ في الْعُلاَ رَاكِـبٌ وَلاَ لَهُمُ فِي الوَغَى فَارِسُ
مُمَرْطَلةٌ فِي حِياضِ المَلاَمِ كَمَا دَعَسَ الاْدَمَ الدَّاعِـسُ
إِذَا طَمَحَ النَّاسُ لِلْمَكْرُماتِ فَطَرْفُهُمُ المُطْرِقُ النَّاعِسُ
تَعَافُ الأَكَارِمُ إِصْهَارَهُـمْ فَكًلُّ أَيَامَاهُـمُ عـانِـسُ
فَلَمَّا بَلَغَ هَذا البَيْتَ تَنَبَّهَ ذَلِكَ النَّائِمُ، وَجَعَلَ يَمْسَحُ عَيْنَيْهِ، وَيَقُولُ: أَذُو الرُّمَيْمَةِ يَمْنَعُنِي النَّوْمَ بِشِعْر غيْرِ مُثَقّفٍ وَلاَ سَائِر? فَقُلْتُ يَا غَيْلاَنُ، مَنْ هَذا? فَقَالَ: الْفَرَزْدَقُ، وَحَمِى ذُو الرُّمَّةِ فَقَالَ:
وَأَمَّا مُجاشِـعٌ الأَرْذَلُـونَ فلَم يَسْقِِ مَنْبِتَهُـمْ رَاجِـسُ
سَيَعْقِلَهُمُ عَنْ مَسَاعِي الْكِرَام عِقَالٌ، وَيَحْبِسهُمُ حَـابِـسُ
فَقُلْتُ: الآنَ يَشْرَقُ فَيَثُورُ، وَيَعُمُّ هذا وَقبِيلَتُهُ بِالهِجَاءِ، فَوَاللهِ مَا زَادَ الفَرَزْدَقُ عَلى أَنْ قَالَ: قُبْحَاً لكَ يا ذَا الرُّمَيْمَةِ! أَتَعْرِضُ لِمِثْلي بِمَقالٍ مُنْتَحَلٍ? ثُمَّ عَادَ فِي نَوْمِهِ كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْ شَيْئاً، وَسَارَ ذُو الرُّمَّةِ وَسِرْتُ مَعَهُ، وَإِنِّي لأَرَى فِيهِ انْكِسَاراً حَتَّى افْتَرَقْنَا.
المَقَامَةُ الأَذْرَبِيجَانِيَّةُ
قَالَ عِيسَى بْنُ هِشَامٍ: لَمَّا نَطَّقَنِي الْغِنَى بِفَاضِلِ ذَيْلِهِ، اتُّهِمتُ بِمَالٍ سلَبْتُهُ، أَو كَنْزٍ أَصَبْتُهُ، فَحَفَزَنيِ اللَّيْلُ، وَسَرَتْ بِي الخَيْلُ، وَسَلكتُ فِي هَرَبِي مَسَالِكَ لَمْ يَرُضْهَا السَّيْرُ، وَلاَ اهْتَدَتْ إِلَيْهَا الطَّيْرُ، حَتَّى طَوَيْتُ أَرْضَ الرُّعْبِ وَتَجاوَزْتُ حَدَّهُ، وَصِرْتُ إِلى حِمَى الأَمْنِ َوَوجَدْتُ بَرْدَهُ، وَبَلَغْتُ أَذْرَبِيجَانَ وقَدْ حَفِيَتِ الرَّوَاحِلُ، وأَكَلَتَّهَا المَرَاحِلُ، وَلَمَّا بَلَغْتُهَا:
نَزَلْنَا عَلى أَنَّ المُـقَـامَ ثَـلاثَةٌ فَطَابَتْ لَنَا حَتَّى أَقَمْنَا بِها شَهْراً
فَبَيْنَا أَنا يَوْماً في بِعْضِ أَسْوَاقِها إِذْ طَلَعَ رَجُلٌ بِرَكْوَةٍ قَدِ اعْتَضَدَهَا وَعَصاً قَدِ اعْتَمَدَها، وَدنِّيَّةٍ قَدْ تَقَلَّسَهَا، وَفُوطةٍ قدْ تَطَلَّسَهَا، فَرَفَعَ عَقِيرَتَهُ وَقَالَ: اللَّهُمَّ يا مُبْدِئَ الأَشْيَاءِ وَمُعيدَهَا، وَمُحْيِيَ الْعِظَامِ وَمُبِيدَها، وَخَالِقَ الْمِصْباحِ وَمُدِيرَهُ، وفالِقَ الإِصْباحِ وَمُنِيرَهُ، وَمُوصِلَ الآلاءِ سابِغَةً إِلَيْنا، وَمُمْسِكَ السَّمَاءِ أَنْ تَقَعَ عَلَيْنَا، وَبَارِئَ النَّسَمِ أَزْواجاً وَجَاعِلَ الشَّمْسِ سِرَاجاً، والسَّمِاءِ سَقْفاً والأَرْضِ فِرَاشاً، وَجَاعِلَ اللَّيْلِ سَكَناً وَالنَّهَارِ مَعَاشاً، ومُنْشِئَ السَّحَابِ ثِقَالاً، وَمُرْسِلَ الصَّواعِقِ نِكَالاً، وَعَالِمَ ما فَوْقَ النُّجُومِ وما تَحْتَ التُّخُومِ، أَسْأَلَكَ الصَّلاةَ عَلى سَيِّدِ المُرْسَلينَ، مُحَمَّدٍ وآلِهِ الطَّاهِرينَ، وأَنْ تُعِينَني على الغُرْبَةِ أَثْنِي حَبْلَهَا، وَعلى العُسْرَةِ أَعْدُو ظِلَّها، وأَنْ تُسَهِّلَ لِي عَلى يَدَيْ مِنْ فَطَرَتْهُ الفِطْرَةُ، وَأَطْلَعَتْهُ الْطُّهْرَةُ، وَسَعِدَ بالدِّينِ الْمَتِينِ، وَلَمْ يَعْمَ عَنِ الحَقِّ الْمُبِينِ، رَاحِلةً تَطْوِى هَذَا الطَّرِيقَ، وزَاداً يَسَعُنِي والرَّفِيقَ.
قَالَ عيسَى بْنُ هِشَامٍ: فَنَاجَيْتُ نَفْسِي بِأَنَّ هذَا الرَّجُلَ أَفْصَحُ مِنْ إِسْكَنْدَرِيِّنَا أَبِي الفَتْحِ، وَالْتَفَتُّ لَفْتَةً فَإِذَا هُوَ واللهِ أَبُو الْفَتْحِ، فَقُلْتُ يَا أَبَا الفَتْحِ بَلَغَ هذِهِ الأَرْضَ كَيْدُكَ، وانْتَهى إِلى هذَا الشِّعْبِ صَيْدُكَ? فَأَنْشَأَ يَقُولُ:
أِنا جَوَّالةُ الـبِـلا دِ وجَوَّابِةُ الأُفُـقْ
أَنَا خُذْرُوَفةُ الزَّمـا نِ وَعَمَّارَةُ الطُّرُقْ
لاَ َتلُمْنِي لَكَ الَّرشَا دُ عَلَى كُدْيَتي وذُقْ
razika- مشرف
- عدد المساهمات : 23
تاريخ الميلاد : 12/06/1990
تاريخ التسجيل : 11/09/2009
العمر : 34
الموقع : samirroua.ahlamontada.com
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى